علم الحيوان

 

 

 

علم الحيوان zoology أحد فروع علم الحياة، وهو يعالج كل ما يتعلق بالحيوانات وحياتها، منذ ظهورها على سطح الكرة الأرضية حتى اليوم.

 

ولا يقتصر اهتمام علم الحيوان الحديث على مجرد توصيف الحيوانات وتصنيفها، فعلماء الحيوان اليوم يقومون بدراسة بنيتها ووظيفة أعضائها، ودراسة تغذيها وسلوكياتها، إضافة إلى صفاتها الوراثية وتطورها، وعلاقاتها مع الوسط الذي تعيش فيه من النواحي الفيزيائية والكيميائية، ومع الحيوانات والنباتات الأخرى التي توجد في المنطقة.

 

 

تاريخ علم الحيوان

 

يعود الاهتمام بعلم الحيوان إلى عصور ساحقة، فقد أدرك الإنسان منذ القدم أي الحيوانات خطرة وأيها المفيد له ليأكلها أو يحمي جسمه بجلدها ليصطادها. ولقد احتفظ الإنسان القديم بصور الحيوانات التي عاصرته في الكهوف المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم. ثم قام الإنسان بعد ذلك بزخرفة أدواته المنزلية من قوارير فخارية أو ملابس وأشياء أخرى بصور الحيوانات.

وقد عرف الإنسان المصري القديم الكثير عن الحيوانات، وقام بتدجين قطعان الغنم والجواميس والخنازير والقطط والماعز والبط. وتكهن الفلاسفة اليونان في القرن الخامس والسادس قبل الميلاد بأصل الحيوانات على الأرض. وظهر أول تصنيف للحيوانات في كتاب طبي ظهر في ذلك العصر يصنف الحيوانات في مجموعة منها تؤكل أو غير قابلة للأكل. وكان أرسطو (384-322ق.م) أول من وضع في كتابه «تاريخ الحيوان»Historia Animalium  معلومات عن حيوانات اليونان وآسيا الصغرى القريبة. وكان وصف أرسطو جيداً ومطابقاً لما يعرف الآن عن حيوانات المنطقة. لقد وصف بعناية تطور الدجاج، وتكلم عن تربية القرش والنحل. كما كانت له بعض التلميحات لفعاليات بعض أعضاء جسم الإنسان التي تبين عدم صحتها اليوم. كما قسم الحيوانات إلى قسمين: ذوات الدم الأحمر (الفقاريات) وذوات الدم غير الأحمر (اللافقاريات). كما قسمها بحسب أقسام جسمها وطريقة معاشها وتوالدها وعاداتها، وجعل الدلفين والحوت (من الثدييات) في الأسماك

.

 

قام بليني  Plinyعام (23-79م) بوضع موسوعة بعنوان التاريخ الطبيعيNatural History  من 37 مجلداً حول أنواع الحيوانات وحيث تعيش، وكانت مزيجاً من الحقائق والخرافات. وكان معظم الكتب التي كتبت عن علم الحيوان في العصور الوسطى منقولة عن أرسطو وبليني، فلم تكن هناك أي إضافات أصيلة للتحقق من صحة ما ذكره هؤلاء أو خطئهم. لكن الطبيب اليوناني جالينوس Galen  عام (131-201م) بعد ذلك، كان أول من أجرى التجارب وشَرَّح الحيوانات ليحدد بنيتها ووظيفة أجزائها، فكان أول الفيزيولوجيين التجريبيين، فتكلم عن وظيفة الدماغ والأعصاب، وبيّن أن الشرايين تحمل الدم وليس الهواء. وبقي وصفه للجسم البشري، الذي اعتمد في ذلك على تشريحه للخنزير والقرد وليس للإنسان، المرجع الأساسي لـ 1300 سنة على الرغم من احتوائه بعض الأخطاء الواضحة.

لقد بدأ عصر النهضة في العلوم بـ روجر بيكونR.Bacon   عام (1214-1294) وألبيرتوس ماغنوس A.Magnus عام  (1206-1280)، اللذين كانا يهتمان بكل فروع العلوم الطبيعية والفيزيولوجيا. وكان ليوناردو دافنشي L.da Vinci عام  (1452-1519) متخصصاً بالتشريح والفيزيولوجيا إضافة لكونه رساماً ومهندساً ومخترعاً. وقد أجرى الكثير من الملاحظات الأصيلة في علم الحيوان. وفي عام 1651 درس ويليام هارفي W.Harvey التشكل الجنيني للصيصان، وتصور أن الثدييات

 تتشكل أيضاً كالصيصان من بيضة.

وعند اكتشاف المجهر درست البنية الدقيقة للنبات والنسج الحيوانية، فكان روبرت هوك R.Hooke أول من ذكر وجود الخلية في النبات، وأنطوني فان لوفنهوك A.van Leeuvenhoek أول من وصف البكتريا ووحيدات الخلية

 والنطاف، ومارسيلو مالبيكي M.Malpighi أول من وصف الشعيرات الدموية التي تصل الشرايين بالأوردة.

 

وكان جون ريي J.Ray عام (1627-1705) وكارل لينيه   Karl von Linneعام  (1707-1778) أول من صنف الحيوانات والنباتات ووضعا لها أسس التسمية الثنائية (الجنس والنوع).

 

وكان أول إسهام في التعريف بالتكون الجنيني لدى الحيوان من قبل فابريشيوس Fabricius وهارفي ومالبيكي وكاسبر وولف K.Wolff، الذي اقترح مفهوم التمايز المتدرج للبنية أثناء التكون الجنيني ابتداء من البيضة التي لا بنية لها تقريباً. ووضع كارل إرنست فون بير K.Ernst Von Baer عام (1792-1876) نظرية الطبقات الأصلgerm Layers وأكد على الحاجة للدراسة المقارنة للتطور الجنيني لدى الحيوانات المختلفة.

 

وكان جورج كوفييه G.Cuvier عام  (1769-1832) أول من درس المستحاثات (الحفريات) ويعود إليه الفضل في تأسيس علم المستحاثات. كما كان كوفييه، ومن خلال مناقشاته مع لامارك، أول من اقترح فرضية التطور عام 1809 استناداً إلى فكرة توريث الصفات المكتسبة.

 

وفي القرن العشرين، وبسبب التطور الكبير في الطرائق والتقانات، تطور علم الحيوان كثيراً، كما في العلوم الأخرى، وأُسست علوم الخلية، علم الجنين، وعلم الوراثة، وعلم التطور، والكيمياء الحيوية، والفيزياء الحيوية، والغدد الصم، وعلم البيئة، وغيرها الكثير، واليوم التقانة الحيوية والبيولوجيا الجزيئية.

 

 

علم الحيوان عند العرب المسلمين

لم يتخلف العرب المسلمون عن الركب في مجال علم الحيوان، فقد اهتم علماء اللغة منذ صدر الإسلام برواية أسماء النبات والحيوان وأقسامها ورواية أسماء أعضاء جسم الإنسان. إلا أن هذه كانت من وجهة النظر اللغوية وليس العلمية. كما أنهم اشتهروا في علم الحيوان بدراستهم الميدانية وتجاربهم العلمية المعتمدة على تشريح الحيوان والتي قادتهم في كثير من الأحيان إلى معرفة أجزاء جسم الإنسان الداخلية. من هؤلاء نذكر الجاحظ والدميري والقزويني وابن مسكويه والأصمعي وابن البيطار (الذي تكلم عن الحيوانات المائية والبرية) والمجريطي وابن سينا (وكان أول من تكلم عن الأنكلوستوما قبل أن يعرفها دوبيني في أوربا بـ 900 سنة) والخزرجي والسجستاني والدينوري وابن عبيدة التميمي وأبو الحسن الأندلسي وموفق الدين البغدادي والكِرماني العمري وآخرون، نخص منهم الأصمعي الذي وصف الجراد بالتفصيل، وكتب كتباً مختلفة منها: كتاب خلق الإنسان، كتاب خلق الفَرَس، كتاب الإبل، كتاب الشاء (مفردها شاة)، كتاب الوحوش، كتاب النبات

 والشجر.

ولعل كتاب «الحيوان» للجاحظ (869م) وكتاب أبي حنيفة الدينوري (895م) أول الكتب التي كتبها العرب منسقة البحث في طبيعة الحيوان والنبات

. فقد درس الجاحظ أقسام الحيوان وأحواله وعاداته وخصائصه، وجمع مواده من القرآن الكريم والحديث وأشعار العرب ومن أفواه الرواة وكتب علماء اللغة ومن الكتب التي نقلت إلى العربية ومنها كتاب الحيوان لأرسطو.

 

كما أسهم القزويني في علوم الحياة فتكلم عن سبب تكون الإنسان وعن حال الجنين في الرحم وسبب تخلّق الجنين ذكراً كان أم أنثى، وعن خروجه من الرحم، ثم تكلم عن تشريح جسم الإنسان: عن العظام والغضروف والعصب والرباط (الذي يشد العضلات إلى اللحم) كما تتكلم عن اللحم (العضلات) والشحم والأوردة والشرايين وعن العين والأذن والأنف والفم والشعر، وكانت الغاية من كلامه بيان حكمة الله في خواص هذه الأعضاء وترتيبها مما هو في الواقع أمر طبيعي ولكنه عند التأمل يدعو إلى التعجب والاعتبار.

ومن كتب الحيوان في الأدب العربي نذكر «حياة الحيوان الكبرى» لكمال الدين الدميري (1405م) المرتب بحسب الحروف الأبجدية للحيوانات. فقد بدأ بالأسد ثم الإبل والأتان والأرنب ...الخ. لقد جمع الدميري في هذا الكتاب أسماء الحيوانات في البر والبحر والجو وأسماء الحشرات وأسماء أجناس من البشر، فذكر الناس (الإنسان) ويأجوج ومأجوج، وذكر الجن والحيوانات الخرافية كإنسان الماء وبنات الماء والرخ والعنقاء. وهو في كتابه يستطرد كثيراً، ففي باب الإوز مثلاً يستطرد إلى قتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ثم يأتي بتواريخ الخلفاء من أبي بكر إلى أيامه هو. كما أنه يذكر كثيراً من الأحاديث والأمثال والأشعار، وربما قصائد كاملة، ويذكر الحُكم الفقهي فيما يجوز أكله من الحيوان وما لا يجوز. كما يذكر الأدوية التي تستخرج من الحيوانات، ويورد تعبير رؤيا الحيوانات (في المنام). ومما لاشك فيه أنه لا يمكن الموازنة بين هذا الكتاب وكتاب الجاحظ الذي يولي طباع الحيوان وأحواله اهتماماً كبيراً. وكتب ابن العوام الإشبيلي (توفي نحو 580هـ/1185م) كتابه «علم الفلاحة» وأورد في مجلده الثاني أبواباً عن تربية البقر والضأن والماعز وبعض أمراضها وكيفية مداواتها، وعن البغال والحمير والإبل والخيل والطيور

.

 

 

أقسام علم الحيوان

إن الحقائق المعروفة عن الحيوانات في الوقت الحاضر، تملأ مجلدات، وهناك الكثير من المعطيات لا تزال تتوارد نتيجة دراسات يقوم بها العلماء، لذلك لا يمكن لعالم الحيوان في الوقت الحاضر أن يلم بكل ما له علاقة بالحيوانات، كما لا يمكن لكتاب واحد أن يتطرق إلى كل ما له علاقة بعلم الحيوان.لذلك تخصص معظم علماء الحيوان بواحد من فروع علم الحيوان. فعلم التشريح anatomy والفيزيولوجية physiology وعلم الجنين embryology تعالج بنية ووظيفة وتنامي الحيوانات بالتتالي. ويمكن تقسيم كل من هذه الفروع إلى تخصصات أضيق، بحسب طبيعة الحيوان المدروس، فهناك فيزيولوجية اللافقاريات، وفيزيولوجية مفصليات الأرجل، وفيزيولوجية الحشرات، والفزيولوجية المقارنة. ويتعامل علم الطفيليات parasytology بالحيوانات التي تعيش على حساب المتعضيات الأخرى. ويختص علم الخلية cytology ببنية الخلية وتركيبها ووظيفة أقسامها المختلفة. كما يدرس علم النسج histology بنية النسج المختلفة ووظيفتها. أما علم الوراثة genetics فيعالج آلية انتقال الصفات الوراثية من جيل لآخر، وهو ذو علاقة كبيرة بالتطور evolution الذي يتطرق إلى آلية نشوء الأنواع وعلاقة الأنواع الحالية بالأنواع التي كانت تعيش في الأزمان الغابرة على الكرة الأرضية. وتسمى دراسة تصنيف الكائنات الحية، حيوانية كانت أم نباتية، علم التصنيف taxonomy، أما علم البيئة

 ecology فيهتم بعلاقة المتعضيات، أفراداً أو جماعات، بعضها ببعض، ومع الوسط الذي تعيش فيه.

وبسبب التوسع الكبير في مجالات علم الحيوان بدأ بعض العلماء يتخصصون في مجموعة محددة من الحيوانات. فهناك المتخصص بالثدييات mammalogist، والطيورornithologist، والبرمائيات herpetologist، والأسماك ichthiologist، والحشرات entemologist، ووحيدات الخلية

 protozoologist وغير ذلك.

 

ومهد التقدم في الكيمياء السبيل لدراسة معمقة على مستوى البنية الجزيئية والحوادث المرتبطة بها. وهكذا ظهر علم البيولوجيا الجزيئية molecular biology الذي يتخصص في تحليل بنية المورثات وعملها ودورها في تركيب البروتينات وتنظيم عمل الأنظيمات والهرمونات والسيتوكرومات والهيموغلوبين والتمايز الخلوي في الأنواع الحيوانية المختلفة