الاصطفاء الحيواني

 

الاصطفاء الحيواني animal selection هوعلم تزاوج الحيوانات وتقانته للحصول على سلالات تحمل صفات معينة وخواص محسَّنة مرغوب فيها، مثل إنتاج الحليب والبيض ونوعية اللحم وسرعة النمو وغيرها.

الأساس الوراثي للتحسين

التحسين هو علم الوراثة التطبيقي الذي يتعامل مع آلية نقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء.

ويعد علم التحسين اليوم من العلوم الحيوية الرئيسة، وإن الصبغيات (الكروموزومات) التي توجد في نواة الخلية تكون مسؤولة عن حمل الصفات الوراثية. فانقسام الخلايا يرافقه انشطار الصبغيات. لذا تكون الصبغيات الجديدة مشابهة للصبغيات الأولى وحاملةً الصفات الوراثية نفسها. وتكون هذه الصبغيات مزدوجة في الخلايا الجسمية، أما في الخلايا التناسلية الناضجة فتُختزل الصبغيات إلى النصف. وعند تلقيح البييضة بالنطفة الذكرية فإن نصف الصبغيات في البيضة الملقحة يأتي من النطفة والنصف الثاني من البييضة. وبهذه الطريقة فإن الأبناء يأخذون صفاتهم الوراثية من الأب والأم.

وتدعى وحدة التوريث بالمورِّثة (جين)، وهي التي تحمل المعلومات الوراثية التي تؤثر في صفة معينة ومحددة. وأصبح الأساس الجزيئي للوراثة في السنوات القليلة الماضية، نتيجة للأبحاث المتعددة، أكثر وضوحاً من ذي قبل، ومعروف اليوم أن أهم المواد الوراثية في نواة الخلية هو الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجينdeoxyribonucleic acid (ويرمز له اختصاراً بالدنا DNA) ذو الوزن الجزيئي الكبير. وهو يتكون من وحدات مكررة لأربعة أسس عضوية هي الغوانين، والسيتوزين، والأدنين، والتيمين، تكون متحدة مع سكر وحمض الفسفور. وإن تركيب هذه الأسس الأربعة في الدنا هو الدليل أو جهاز الترميز(الشِفْرة) في نقل المعلومات من خلية إلى أخرى في أثناء انشطار الخلايا. وبإمكان الخلية نقل هذه الرموز لصنع بروتينات أو إنظيمات محددة التركيب تقرِّر المظهر الأساسي للخلية وفعالياتها المختلفة. وتتحكم المعلومات الوراثية في تحديد اختصاصات الخلايا المختلفة وتمايزها لتؤلف في النهاية نسجاً وأعضاء مختلفة.

مفهوم الاصطفاء الحيواني

الاصطفاء هو اختيار أنسب الحيوانات وأحسنها استجابة لاحتياجات الإنسان، مع استبعاد الحيوانات التي لا تنطبق صفاتها على الصفات النموذجية الجيدة. ويهدف الاصطفاء إلى جَعْلِ الأجيال اللاحقة تماثل الأجيال الحالية أو تفوقها في خصائصها. وهذا يتضمن التحسين المستمر في إنتاج القطيع.

وبِغَض النظر عن نظام التربية المتبع للحصول على الحيوانات المرغوب فيها فإنه يجب أن يُتخذ القرار المناسب لاصطفاء الأفراد من أجل التربية، لأن الاصطفاء في الوراثة يؤدي إلى اختيار أفضل الحيوانات لتكون آباء الجيل القادم وأمّاته. وللوصول إلى الهدف المتوخى من عملية التربية يجب أن يتم انتخاب الأفراد التي يُتوقع أن تنتج سلالة متفوقة. إذن فإن مفتاح النجاح في أي برنامج تحسين يتوقف على اختيار الأفراد الجيدة.

والاصطفاء هو الوسيلة الثانية، إلى جانب طرائق التربية، التي يستطيع بها المربي أو الباحث تغيير وراثة حيواناته. وهو من أكثر الوسائل فعالية في هذا السبيل سواء كان الاصطفاء طبيعياً تقوم به الطبيعة أو صناعياً يقوم به الإنسان، وقد كان الطريق الأساسي الذي أمكن به إيجاد سلالات كثيرة من الأغنام المتخصصة في الصوف أو اللحم أو الحليب أو الفراء، وسلالات كثيرة من الماشية لإنتاج اللحم والحليب، وسلالات من دجاج اللحم أو البيض. وقد نشأت السلالات الثنائية الغرض أو المتعددة الأغراض. وكذلك الحال فيما يتصل بالخيل والكلاب وغيرها من الحيوانات.

إن هدف المربي أو الباحث هو اصطفاء حيوانات ممتازة تماثل دائماً أبويها في الصفات أو تفوقهما، ومتابعة ذلك في كل جيل من الأجيال المتلاحقة، وهذا ما يعرف بالتحسين المستمر. فعلى المربي أن يتحقق أولاً بصورة قاطعة من أن الصفات الممتازة التي يجدها في حيوان ما أو مجموعة من حيواناته هي صفات قابلة للتوريث وليست مكتسبة ترجع لتأثير البيئة، لأن الصفات المكتسبة لا تُوَرَّث عن طريق الخلايا التناسلية، فهي صفات اكتُسبت من عوامل ومؤثرات خارجية وليست وراثية. وعموماً فإن ممارسة الاصطفاء مصحوباً بالتربية الداخلية يساعد على سرعة حدوث التغيرات لأنه في هذه الحالة تَقلُ نسبة الأفراد المختلفة اللواقح heterozygousوتزداد نسبة تشابه اللواقح homozygosity في التركيب الوراثي للصفات المنتخَبة، مما يؤدي في النهاية إلى إنتاج السلالات النقية، وهي الغاية المثلى للاصطفاء.

لقد اعتمد الإنسان في تحسين السلالات الحيوانية على معايير خاصة وضَعَتْها وحَدَّدتها جمعيات السلالات الحيوانية المختلفة. إلا أن إجراء الاصطفاء صناعياً ليس بالأمر الهين، فهو يتضمن عدة عمليات منظمة ترمي إلى الحصول على حيوانات جيدة.

طرائق الاصطفاء

تقسم عمليات الاصطفاء الحيواني إلى قسمين رئيسين، هما:

الاصطفاء بحسب الشكل الظاهري phenotypic selectionويقع تحت هذا القسم نوعان:

 ـ الاصطفاء بالجملة mass selection: وهو استبعاد الأفراد غير الجيدة من القطيع.

وهذه الطريقة سلبية يقتصر فيها عمل المربي على استبعاد الأفراد التي لا تُطابق صفاتُها صفات النموذج المطلوب. ويكون معظم العوامل الوراثية التي تقابل هذه الصفات من النوع المُتَنَحّي. وكثيراً ما تبقى هذه العوامل المتنحية في القطيع، وتنتقل من جيل إلى آخر من دون أن تظهر صفاتها في الأفراد التي تحملها، وتحمل معها في الوقت نفسه عوامل سائدة. وفي هذه الحالة يترك المربي مثل هذه الحيوانات ذات التركيب الوراثي الخليط تتناسل. لذا كانت هذه الطريقة أبطأ طرائق الاصطفاء جميعاً للوصول إلى الغاية المطلوبة.

ـ الاصطفاء الفردي individual selection: وهو اختيار أفراد جيدة في شكلها الظاهري ثم تربيتها من دون غيرها. وهو يُبنى على أساس أن المظهر المتمثل في إنتاجية فرد ما يعدّ دليلاً على القيمة الوراثية لذلك الفرد.

إن عملية الاصطفاء هذه تكون بسيطة، وكل ما تحتاج إليه هو تمييز الأفراد التي تحمل بعض الصفات المرغوب فيها. أما الصفات المتعددة، ولاسيما ذات الأهمية الاقتصادية والتي تتأثر بعدة مورثات مختلفة فإن الافتراض السابق لا ينطبق عليها أبداً، وتكون النتيجة غير مضمونة العواقب. وهذا ليس ناتجاً من وجود مورثات متعددة فقط وإنما من تأثير الشروط البيئية في قدرة هذه المورثات على التعبير عن نفسها تعبيراً جلياً. وهذا النوع من الاصطفاء يكون مبنياً على الكفاية الإنتاجية الظاهرة. وقد يكون اصطفاءُ صفةٍ وراثيةٍ معينةٍ فعالاً في المدى المنخفض إلى المتوسط، إلا أنه غير فعال كلياً في المدى العالي. وخير مثال على ذلك هو إنتاج بيض الدجاج، إذ لا يوجد شك في أهمية الاصطفاء الفردي لتحسين إنتاج البيض ليصل معدل إنتاجه إلى 180 أو حتى إلى 200 بيضة سنوياً للدجاجة. ويعتمد مدى الزيادة على نوع السرب، وكذلك على الشروط البيئية التي يتعرض لها هذا السرب. وغالباً ما يؤدي الاعتماد على هذا النوع من الاصطفاء إلى خيبة أمل عند الوصول إلى الحد الذي لا يمكن بعده تجاوز زيادة الإنتاجية. ولقد أحرز تقدم كبير في أسراب كثيرة من الدواجن نتيجة تطبيق هذا النظام على نطاق واسع ومحكم، ولاسيما في التخلص من الأفراد غير المرغوب فيها، مثل البطيئة النمو والقليلة الإنتاج، والتخلص من الأفراد التي يكون مظهرها مغايراً للمظهر العام للسرب.

وهناك قطعان أو أسراب كثيرة يمكن تطويرها وتحسينها باتباع هذه الطريقة. ولكن عند زيادة معدل إنتاج القطيع أو السرب فإنه يتحتم اتباع طريقة أخرى أكثر فعالية إذا أُريد الاستفادة من الحد الأقصى للقدرة الإنتاجية للقطيع. وهذه الطريقة هي الاصطفاء بحسب التركيب الوراثي.

الاصطفاء بحسب التركيب الوراثي genotypic selection: ويتم بإحدى الطرائق الآتية:

ـ الاصطفاء تبعاً لاختيار النسل progeny selection: وهو دراسة التركيب الوراثي للفرد بعد دراسة الصفات الاقتصادية في نسله. فعندما تكون أسلاف الحيوان معروفة فإنه بالإمكان عند برمجة التحسين الوراثي للقطيع إجراء موازنة بين إنتاج الحليب أو إنتاج البيض للآباء والأبناء. ولكن لسوء الحظ لا يمكن الاستدلال مؤكداً على تركيبه الوراثي الصحيح بناء على مظهر الفرد فقط، ولو كانت مظاهر أسلافه معروفة. فمن الناحية الإنتاجية لا يمكن التحقق مثلاً من قدرة نسل دجاجة تستطيع إنتاج 280 بيضة سنوياً. ويصح الشيء نفسه عندما تؤخذ إنتاجية أخوات ذكر ما مقياساً لاختياره لأغراض التحسين ولاختيار النسل بدقة، إذ يلقح الذكر عدداً مناسباً من الإناث ثم يُوازن بين إنتاجها وإنتاج بناتها عندما تصل إلى سن الإنتاج.

إن هذه الطريقة ذات نفقة وتستغرق وقتاً طويلاً عند الموازنة بينها وبين الطرائق المتبعة، ولاسيما أن القدرة على إنتاج البيض للنسل الناتج لا يمكن تقديرها إلا بعد عدة أشهر من التزاوج، ويجب الاحتفاظ بسجلات الكفاية الإنتاجية لجميع الأفراد في السلالة.

وعندما ينصب الاهتمام على صفات متعددة قد تصل إلى 8 أو 10 تصبح السجلات الواجب تنظيمها والمعلومات اللازمة كبيرة جداً. ولكن عند معرفة الذكور والإناث العالية الإنتاج نتيجة لتطبيق هذه الطريقة فإن عملية التحسين الوراثي تكون أسرع من الطرائق الأخرى التي قد تكون عقيمة أحياناً. وقد تكون المدة أطول عند تطبيق هذه الطريقة على فروج اللحم. وفي الدجاج البَيَّاض يمكن استخدام البيض المُنتَج لمدة أقل من سنة دليلاً على مقدار الإنتاج. وبهذا يمكن اختصار المدة التي يجب أن تتم فيها عملية الاصطفاء.

ويعد الاصطفاء تبعاً للنسل إحدى طرائق الاصطفاء المهمة في حقل تربية الحيوان. ويُتّبع عادة لاصطفاء الذكور، ولاسيما فيما يتصل بالصفات المرتبطة بالجنس التي لا يمكن أن تقاس على الآباء مثل إنتاج الحليب أو البيض. وبالطبع تقاس مظاهر تلك الصفات على النسل من الإناث فقط.

وقد تُجرى طريقة الاصطفاء بالنسل في الإناث التي تعطي عدداً كبيراً من الأفراد كالدجاج والفئران والأرانب والخنازير، ولو أن هذا غير شائع الاستعمال.

وكلما كان عدد الأبناء لكل ذكر كبيراً كان الحكم دقيقاً على الكفاية الإنتاجية لهذا الذكر. وهناك نقطة مهمة يجب الانتباه إليها في هذا المقام وهي أنه كلما قلَّ عدد الذكور المختبَرة زاد مُعامل التربية الداخلية في القطيع.

وهذا يؤدي من ثم إلى انخفاض الإنتاج وإلى ظهور العوامل المميتة وشبه المميتة. وعلى العموم يعد اختبار النسل أداة نافعة في تحسين الحيوانات الزراعية، ويتم ذلك الاختبار بإحدى الطريقتين التاليتين :

ـ طريقة تأخذ بالحسبان وجود الإناث، وفيها يُوَازن بين إنتاج بنات الذكر المختبَر، وإنتاج أمّاتها زوجات ذلك الذكر. فإن فاقت البنات أمّاتها في الإنتاج فالفضل يرجع للذكر نفسه.

ـ طريقة لا تأخذ بحسبانها الإناث، وفيها إذا ما عُرف عن ذكر أنه أنجب الكثير من الإناث ذات الإنتاج العالي فعلى الأغلب سوف ينتج هذا الذكر دائماً إناثاً إدرارها مثلاً عالٍ إذا ما اختيرت له إناث مناسبة.

الاصطفاء تبعاً للنَّسَبِ pedigree selection: ويُقصد به انتخاب الأفراد بحسب امتياز آبائها وأجدادها وآباء أجدادها، أي الأجيال الثلاثة السابقة. والفكرة هي أن الفرد يكون ممتازاً في صفاته إذا كانت آباؤه وأجداده ممتازة، ما لم يحدث انعزال في العوامل الوراثية. وعموماً لا يُلتَفَت إلى الأجيال التي تسبق الأجيال الثلاثة المذكورة، وذلك لقلة مساهمتها وقلة تأثيرها في تركيب الفرد الوراثي.

ولكن يجب أن لايثق المربي في نسب الحيوان ثقة مطلقة. فهو في أقصى حدوده لا يدل إلا على أسلافه، ولا يدل دلالةً قاطعة على جودة الحيوان أو نقاء تركيبه الوراثي. فقد يكون الحيوان ذا نسب ومع ذلك تكون مورثاته خليطة. فلا يمكن أن يكون النسب وحده دليلاً قاطعاً في الكشف عن مورثاته بل مرشداً فقط. وقد أصبحت اليوم قواعد الاصطفاء تعتمد كثيراً على الإنتاج الفعلي للحيوان نفسه ولسلسلة آبائه ونسله، وأصبح معيار الإنتاج دليلاً صادقاً في الكشف عن نقاء التراكيب الوراثية للحيوانات، حتى أصبح اصطفاء الذكور للتربية لا يخرج عن حدود إنتاج آبائها أو نسلها، وأصبحت تُختار هذه الذكور لتكون أمّاتها أعلى إنتاجاً من باقي أفراد القطيع.

ويستعمل هذا النوع من الاصطفاء على نطاق واسع في حيوانات الحليب ولاسيما الذكور أو الإناث الصغيرة التي لم تنتج الحليب بعد، وقد كانت الفكرة السابقة ـ أي يكون الفرد ممتازاً في صفاته إذا كانت أسلافه ممتازة ـ مدعاةً لارتفاع أسعار بعض الحيوانات نتيجة لانحدار هذه الحيوانات من بقرة مشهورة أو ثور معروف .

وهناك الكثير من المربين يجرون الاصطفاء في قطعانهم بطرائق أكثر تعقيداً للوصول بحيواناتهم إلى درجة عالية جداً من التحسين. ومن هذه الطرائق :

1) ـ الاصطفاء المتوالي tandem selection إذ يتم اصطفاء صفة ما حتى تصل، بعد عدة أجيال، إلى مستوى معين، ثم يتم الانتقال إلى صفة أخرى يجري اصطفاؤها. وهكذا باقي الصفات على التوالي. إن هذه الطريقة تستغرق وقتاً طويلاً للوصول بصفات الحيوان إلى المستويات المرجوة.

2) ـ الاصطفاء باستعمال مستويات الاستبعاد المستقلة independent culling levels: وفيه لا يُنتخب الحيوان إلا إذا بلغ حداً أدنى من جودة الصفات المقصودة. فعند اصطفاء ثلاث صفات مثلاً يحدد مستوى معين لكل صفة، وتستبعد الأفراد التي يقل مستواها عن أي من هذه المستويات الثلاثة مجتمعة. وهذه الطريقة هي طريقة قاسية وجائرة، كاشتراط أن لا يقل وزن الكباش المنتخَبة عن 55كغ عند عمر سنة، وألا يقل وزن جزتها الأولى عن 4كغ من الصوف.

 3) ـ دليل الاصطفاء selection index: وهي أنسب طرائق الاصطفاء جميعاً. وفيها يتم اختيار الحيوان اختياراً يسمح للصفات الممتازة أن تحل محل الصفات التي هي أقل جودة. وهكذا تؤخذ بالحسبان عدة صفات في آن واحد، والارتباط الوراثي بين هذه الصفات والقيمة الاقتصادية لكل صفة تكونان على درجة يمكن معها للصفات الممتازة في الحيوان أن تعوض عن الصفات غير الممتازة في الحيوان نفسه.

التربية الداخلية أو تربية الأقارب

هي تزاوج الحيوانات التي تزيد درجة القرابة بينها على متوسط القرابة لحيوانات القطيع كله، وهذا يؤدي إلى زيادة نسبة المورثات المتماثلة وتقليل نسبة المورثات غير المتماثلة في المجموعة، كتزاوج الشقيق وشقيقته أو تزاوج الأب وابنته أو تزاوج الأم وأبنائها. ويلجأ المربي إلى هذا النوع من التربية لزيادة التماثل في أُسَر معينة من القطيع ورفع قدرة التوريث في بعض الأفراد والاستفادة من ظاهرة قوة الهجين hybrid vigor الناتجة من خلط سلالات مرباة تربية داخلية بعضها مع بعضinbreed lines وذلك فيما يتصل ببعض الصفات. وقد استُخْدِم هذا النظام على نطاق واسع للحصول على بعض الأسراب التجارية في الدجاج.

إلا أن التربية الداخلية تؤدي أيضاً إلى خفض مظهر الصفات الإنتاجية وذلك لتركيزها للمورثات الجيدة وغير الجيدة في آن واحد.

إن استمرار خطوط التربية الداخلية ذو نفقة من الناحية الاقتصادية، ويعود ذلك إلى أن قسماً كبيراً منها يتم التخلص منها بعد التجربة، وذلك لعدم توافقها مع الخطوط الأخرى. ويسأل بعضهم عن جدوى تربية الأقارب. فالكل يعرف أن زواج الأقارب عرضة لإنجاب أطفال مشوهة أو يعتريها النقص في الصفات الجيدة، ووجهة النظر هذه معروفة منذ قديم الزمان، وفي الدول المتقدمة اليوم قوانين تحول دون زواج الأقارب.

وهناك من مربي الحيوانات من يستخدم تربية الأقارب بنجاح. فأحسن مربي الخيل والكلاب وغيرها من الحيوانات المستأنسة يصطفون أجود حيواناتهم بطريقة تربية الأقارب في نظام يشير إليه المربون باسم التربية الخطية line breeding. وكثير من هؤلاء المربين يعرفون جيداً أن إدخال أي دم خارجي على حيواناتهم المنتقاة والمنتخبة انتخاباً فائقاً سوف يقلل من قيمة إنتاجهم بدرجة كبيرة. لذلك لا بد من مراعاة درجة تربية الأقارب المستخدمة في التربية وعلاقاتها في المحافظة على الصفات الجيدة وعدم ضياعها أو فقدها. لذلك تُتَّبَع التربية الداخلية أو تربية الأقارب بدرجة محدودة لإنتاج حيوانات أو صفات مرغوب فيها ولاستبعاد الحيوانات والصفات غير المرغوب فيها.

وإذا كانت تربية الأقارب تُنتج اختلافات بين الحيوانات مما يؤدي إلى ظهور بعض الحيوانات أو الصفات غير المرغوب فيها فلا بد من الاستمرار في إجراء تربية الأقارب حتى يمكن عزل المجموعة الحيوانية أو مجموعة الصفات وتقليل الاختلافات بين هذه الحيوانات وصفاتها مستقبلاً. ويستدعي ذلك استخدام أجود حيوانات التربية وأحسنها، كما يستدعي أن يكون المربي على درجة كبيرة من المهارة في إجراء الاصطفاء بين حيواناته مع ضرورة توافر الشجاعة الكافية حتى يستبعد بكل جرأة وثبات الصفات غير المرغوب فيها والحيوانات الحاملة لها.

 استعمالات التربية الداخلية: تعدّ التربية الداخلية inbreeding سلاحاً ذا حدين. لذلك يجب تطبيقها في شروط سليمة ولأسباب صحيحة ومدروسة. وفيما يلي بعض الحالات التي تستخدم فيها التربية الداخلية:

ـ عندما يرغب المربي في زيادة القرابة نحو حيوان ممتاز. فكثيراً ما يحصل على أفراد متفوقة جداً مما يدل على حُسْن تركيبها الوراثي، فيحاول أن يستبقي أكبر نسبة ممكنة من تركيب هذا الفرد في القطيع. ومن دون اتباع التربية الداخلية لا يمكن أن يرتفع مُعامل القرابة بين الحيوانات عن النصف ولذلك يُلْجَأ إلى التربية الداخلية للحصول على أفراد على درجة عالية من القرابة مع الفرد الممتاز.

ـ عندما يصل المربي بإنتاج قطيعه إلى مستوى أعلى من متوسط السلالة، يبدأ باستخدام ذكور للتربية من داخل القطيع، وهذا يؤدي إلى التربية الداخلية بدلاً من استخدام ذكور للتربية من خارج القطيع التي قد تُخْفِّض من إنتاج قطيعه.

 ـ تُتَّبع التربية الداخلية بغية فصل الجماعة population إلى أنماط types متماثلة ومرباة داخلياً. وإن خلط هذه الأنماط بعضها ببعض ثانية يرفع الإنتاج نتيجة لقوة الهجين. ومن الأمثلة الناجحة في هذا الشأن دجاج الهجين، وإلى حد كبير الخنازير والأغنام.

ـ تفيد التربية الداخلية في كشف المورثات غير المرغوب فيها أو الضارة في حالة الأفراد الأصيلة فقط، ولكنها طريقة ذات نفقة.

ـ التربية الداخلية أكثر فاعلية في زيادة نسبة الأفراد الأصيلة. وإن لم يكن لها قيمة اقتصادية في حيوانات المزرعة إلا أنها مرغوب فيها في حيوانات المخبر الصغيرة كالفئران والخنازير فيما يتعلق بتجانسها.

ـ يلجأ المربي إلى التربية الداخلية لزيادة التباين بين العائلات والمجموعات، وتزداد فاعلية الاصطفاء لوجود أسس جديدة.

مضار التربية الداخلية: ذُكر سابقاً أن التربية الداخلية سلاح ذو حدين. فهي تُثَبِّت المورثات غير المرغوب فيها في أفراد أصيلة كما تُثبِّت المورثات المرغوب فيها، وذلك بطريقة عشوائية محضة. لذلك يُنصح المربي بعدم التوسع في تطبيق التربية الداخلية، فالقاعدة هي تطبيق التربية الداخلية بقدر يسمح بالتخلص من الأفراد غير المرغوب فيها فقط، ولا يُنْصح باتباعها إلا المربون أصحاب القطعان الكبيرة التي تسمح لهم باستبعاد جزء مناسب من كل جيل. وقد وُجد عملياً أن معدلاً للتربية الداخلية قدره من 5- 6% من كل جيل يُعدّ مناسباً، أي زيادة متوسط مُعامل التربية الداخلية بهذا القدر لكل جيل. والاستعمال الجائر للتربية الداخلية ينتج منه انخفاض مستوى الإنتاج ولاسيما للصفات التي يقع جزء كبير من تباينها الوراثي تحت التباين السيادي أو التفوقي، مثل صفات الخصب والتناسل عامة.

التربية الخارجية أو تربية الأباعد

هي إنتاج أفراد من آباء ليس بينها رابطة دم أو قرابة إلى أبعد جيل في سلسلة نسبها. وغالباً ما تكون الأفراد المتزاوجة، كلها أو بعضها، من خارج السلالة الواحدة أو العائلة الواحدة أو الضرب الواحد. والآثار المترتبة على التربية الخارجية out breeding عكس الآثار المترتبة على التربية الداخلية. فهي تعمل أساساً على زيادة نسبة الأفراد الخليطة ونقص نسبة الأفراد الأصيلة النقية في القطيع. وتختلف في أن تأثيرها يقتصر على الجيلين الأول والثاني، أي إن أثرها لا يتراكم كما في التربية الداخلية. وعلى ذلك فالتربية الخارجية تعطي فرصة للمورثات غير المرغوب فيها أن تختبئ، كما أن وجود السيادة أو فوق السيادة سيجعل الأفراد الناتجة تفوق آباءها في صفاتها الإنتاجية. ويسمى ذلك قوة الهجين التي تحدث نتيجة للظاهرة الوراثية المعروفة بقوة الخلط  heterosis. ويلاحظ أن الصفات التي تظهر فيها قوة الهجين بوضوح هي نفسها الصفات التي تتدهور تدهوراً ملحوظاً عند تطبيق التربية الداخلية. فالعوامل المسؤولة عن قوة الهجين في الخليط هي نفسها المسؤولة عن انخفاض مستوى الصفة عند تطبيق التربية الداخلية. وتعدّ الصفات التناسلية في الحيوان مثالاً لهذه الصفات.

وإن الأفراد الناتجة من التربية الخارجية لا تصلح للتربية، لأنها خليطة في تركيبها الوراثي، إذ يؤدي تزاوج هذه الأفراد فيما بينها إلى انعزال العوامل الداخلة في تركيبها.

أقسام التربية الخارجية: تشمل التربية الخارجية كل أنواع التزاوج التي تهدف إلى زيادة الخلط بين الأفراد. ويصحب ذلك نقص التجانس في مظهر الأفراد. وهي تشمل:

 خلط السلالات: ويقصد بخلط السلالات cross breeding الخلط بين سلالات ناتجة بالتربية الداخلية. وهو يُنْتج أحسن قوة هجين. وفيه تزاوج أنثى من سلالة بذكر من سلالة أخرى. وقد استغل مربو الحيوان هذه الطريقة استغلالاً كبيراً ولاسيما في ماشية اللحم والأغنام والخنازير والدواجن. وقد كان الخلط، وما يزال، يجري لسببين رئيسين: الأول تكوين سلالة جديدة تجمع بين الصفات الجيدة من سلالتين أو أكثر . والثاني إنتاج حيوانات لحم للتسويق لا للتربية، الأمر المطبق بكثرة في بلاد كثيرة.

والانتفاع بقوة الهجين في هذه الطريقة يعتمد على الاصطفاء، كما يعتمد على التربية الداخلية والخلط. ويطبق الاصطفاء هنا أساساً على الحيوانات الخليطة للحصول على أزواج من السلالات التي تُنْتج أحسن قوة هجين. وهذه السلالات تعدّ مصدراً دائماً لأفراد خليطة للاستعمال التجاري في الحياة العملية.

 التدريج grading: ويقصد به رفع إنتاج مجموعة من الحيوانات التي لا تنتمي إلى عرق معين بتزاوجها هي والجيل الناتج من هذا التزاوج والأجيال التي تليه بذكور لها صفات ممتازة. وتتم عملية التدريج بإدخال مورثات جديدة في الحيوانات مع زيادة نسبة هذه المورثات تدريجياً جيلاً بعد جيل.

ويكون التدريج إما بحيوانات من السلالة نفسها أو بحيوانات من سلالة مخالفة. ويُطبق التدريج عادة لتحسين الحيوانات المحلية الضعيفة الإنتاج، وذلك باستعمال ذكور للتربية أجنبية ممتازة. ويؤدي هذا التدريج إلى نقــــل هذه المورثات الخاصة بالإنتاج العالي إلى الحيوانات المحلية بمقدار1/2 في الجيل الأول و3/4  في الجيل الثاني و7/8 في الجيل الثالث و15/16 في الجيل الرابع و31/32 في الجيل الخامس، إذ تكون الحيوانات الناتجة من هذا الجيل قد وصلت، في إنتاجها وشكلها الخارجي، إلى النوع المراد الوصول إلى مستواه. ويكون التحسين الناشئ من تطبيق هذه الطريقة ملحوظاً بدرجة كبيرة في أول جيل عما في الأجيال التي تليه وذلك لحدوث ظاهرة قوة الهجين بدرجة أكبر مما في الأجيال التالية.

وتعدّ طريقة التدريج من أسلم طرائق التربية وأقلها كلفة لتحسين الحيوانات المحلية، لأنها لا تحتاج إلا إلى استيراد الثيران الممتازة فقط، ثم تغيير هذه الثيران مرة كل جيل بطريقة التبادل بين المربين لتغيير الدم. لذا كانت هذه الطريقة من أكثر الطرائق شيوعاً في العالم.

<المصدر

الموسوعة العربية