التكاثر

 

التكاثر reproduction هو مجموع الحادثات التي تحدث في الكائن الحي وتؤدي إلى تشكل فرد جديد ينتمي للنوع نفسه.

تتم هذه الوظيفة الحياتية في الخلية الواحدة، عند المتحول Amiba مثلاً، بالانقسام إلى خليتين متماثلتين أساسيتين تستطيعان بعد نضجهما تكرار هذه العملية. إلا أنه كلما ارتقينا في السلم النوعي تصبح عملية التكاثر أكثر تعقيداً لتأمين استمرار الحياة للخلايا الأصلية germ cells، بسبب البيئة العدائية أو قساوة نموذج الحياة للأبوين. ويميز من التكاثر نوعان:

التكاثر اللاجنسي 

يعرَّف بأنه مجموع الحادثات التي تؤدي إلى تشكل فرد جديد من دون أن تسهم الأعراس في أية مرحلة من مراحل هذا التشكل، ومن دون أن تمر الخلايا بالانقسام المنصف. وطبقاً لهذا التعريف فإن التكاثر اللاجنسي يعني،  فيما يتعلق بكثيرات الخلايا الحيوانية، تشكل أفراد جديدة على حساب الخلايا الجسمية.

يمكن تصنيف طرق التكاثر اللاجنسي التي تصادف في الطبيعة في الأنماط الثلاثة الآتية:

1ـ الانشطار: وهو أبسط أشكال التكاثر اللاجنسي، ويتم بانشطار المتعضية إلى قسمين متساويين تقريباً. ويلاحظ هذا النمط عادة في وحيدات الخلية الحيوانية، كما يصادف في معائيات الجوف والديدان.

2ـ التبرعم: يتم بتشكُّل انتفاخ صغير يبرز من السطح الجانبي للمتعضية الأم، وسرعان ما ينمو ويحقق شكل المتعضية الأم. ويمكن أن ينفصل هذا الفرد الجديد كلياً عن المتعضية الأم أو يبقى متصلاً بها، فتبدأ المستعمرة عندئذ بالتشكل. وتعد معائيات الجوف والكأسيات أمثلة نموذجية لهذا النمط من التكاثر.

3ـ تشكل الدُرَيرات: يتم في بعض أنواع إسفنجيات الماء العذب بتشكل بنية خاصة هي الدُرَيرة gemmule التي تستطيع أن تظل حية إثر موت أفراد المستعمرة الأم في ظروف غير ملائمة كانخفاض درجة الحرارة في الشتاء أو جفاف الماء في الصيف. وهي تتشكل داخل جسم الأم بدءاً من مجموعة من الخلايا غير المتمايزة التي تحاط بقشرة  تحوي شويكات مميزة. تتحرر الدريرات من جسم الأم إثر موتها وتحللها، وتظل هاجعة إلى أن تعود شروط الوسط السوية من جديد فتتمزق القشرة وتنطلق الخلايا لتشكل متعضية جديدة. 

التكاثر الجنسي

يشكل التكاثر الجنسي الطريقة الأولى والأساسية في استمرار كثيرات الخلايا، وتشكل هذه الطريقة ما يسمى بالتشكل الفردي ontogeny، وتميز فيه مراحل محددة تبدأ بتشكل الأعراس وتنتهي بتشكل فرد يشبه المتعضيتين الأبوين. ويشتمل التكاثر الجنسي على المراحل الآتية:

ـ تشكل الأعراس: تتشكل الأعراس في أعضاء تسمى المناسل gonads، تتألف من خلايا مشابهة في الأصل لخلايا الجسم الأخرى إنما لا تنجز أية وظيفة إعاشية، ويطلق عليها اسم الخلايا المنشئة germ cells. تمر هذه الخلايا في تشكيلها للأعراس الوظيفية في أدوار ثلاثة هي: دور التكثير (الانقسام)، ودور النمو، ودور النضج.

تسمى الخلايا الجنسية في طور التكثير، المنسليات المنوية spermatogonia أو المنسليات البيضية oogonia طبقاً للجنس. وهي تعطي، بحادثات الانقسام الخلوي، عدداً كبيراً من الخلايا، تدخل في  دور النمو، فتسمى عندئذ الخلايا المنوية spermatocytes أو الخلايا البيضية oocytes. ويختلف هذا الدور في الجنسين اختلافاً كبيراً، تكون مدته عند الذكور قصيرة نسبياً، وزيادة الحجم محدودة جداً، في حين تكون مدتها طويلة جداً عند الخلايا البيضية (تمتد 3 سنوات عند الضفدع عديم الذنب) وزيادة الحجم هائلة أحياناً.

أما في دورالنضج فيتم  التنصيف الصبغي ويصبح كل عروس محتوياً على مجموعة صبغية أحادية haploid. وفي حين تعطي الخلية المنوية الواحدة إثر الانقسامين المنصفين أربع منويات spermatides تتمايز إلى أربع نطاف وظيفية، فإن الخلية البيضية لا تعطي إلا بيضة وظيفية واحدة.

ـ الإلقاح: fertilization يتضمّن الإلقاح أيضاً تفعيل البيضة، ويتم ذلك إما خارج جسم الأنثى أو في أقنيتها التناسلية، وتنتهي هذه المرحلة عادة بتأهب البيضة الملقحة للانقسام.

ـ الانقسام: cleavage تؤدي هذه المرحلة إلى تحول البيضة الملقحة إلى جسم كثير الخلايا. وتكون الخلايا في هذه المرحلة منهمكة في حادثات الانقسام وتأمين الصيغة الصبغية الثنائية لنوى الخلايا الناشئة من التقسم.

أصل الخلايا في التكاثر اللاجنسي

يعتمد التكاثر اللاجنسي على خلايا احتياطية تبقى في المتعضية بحالة جنينية غير متمايزة، وتكون قادرة على أن تعطي أنماطاً خلوية مختلفة. فمعائيات الجوف مثلاً، تحوي خلايا جنينية غير متمايزة توجد بين الأدمتين الخارجية والداخلية يطلق عليها اسم الخلايا البينية interstitial cells تكون صغيرة ولا تؤدي ظاهرياً أية وظيفة إعاشية أو جنسية، يبدو أنها تتجمع لسبب أو لآخر في منطقة معينة ويزداد عددها تدريجياً ويبدأ البرعم بالتشكل، وما أن يصل إلى حجمه النهائي حتى تكون الخلايا في طريق تمايزها.

أصل الخلايا الجنسية عند الجنس البشري

تكون البيضة عند الإنسان (الزيجوت zygote)، في نهاية الأسبوع الثالث من التطور الجنيني، مكونة من قرص جنيني ثلاثي الوريقات وكيس محي توجد على جداره خلايا تعرف باسم الخلايا المنشئة primordial germ cells، تهاجر إلى منطقة الحافة البولية التناسلية، لتستقر في المناسل بين الأسبوع الرابع والسادس حيث تدخل ضمن الحبال الجنسية الأولية مشكلة بذلك أمهات الأعراس.

وعند الجنين ذي الجنس الوراثي الذكري تبدأ المناسل تحولها إلى خصى ابتداء من الأسبوع السابع، إذ تتحول الحبال الجنسية الأولية إلى حبال خصيوية، كما تتمايز الخلايا المنشئة الابتدائية إلى منسليات نطفية.

وعند الجنين ذي الجنس الوراثي الأنثوي تبدأ المناسل تحولها إلى مبيض خلال الأسبوع العاشر، وتدخل الخلايا المنشئة الابتدائية ضمن الحبال الجنسية الثانوية (حيث تتلاشى الحبال الجنسية الأولية) لتتحول بعد ذلك إلى منسليات بيضية تحاط بخلايا جريبية لتشكل الجريبات الابتدائية. 

انتقال المورثات في التكاثر اللاجنسي

في المتحولات ذات التكاثر اللاجنسي يتكون الفرد من خلية تحوي نواتها عدداً محدداً من الصبغيات، ويتكون كل صبغي من جزيئة DNA هي نفسها مكونة من تتابع عدد من المورثات genes. ويشكل مجموع مورثات النواة الذخيرة الوراثية genome حامل الصفات الوراثية المسؤولة عن الصفات الشكلية والوظيفية للفرد وللنوع الذي تنتمي إليه.

تتضمن المرحلة الأولى من التكاثر للمتحول تضاعف جزيئات الـDNA إذ تستبدل كل جزيئة بجزيئتين متماثلتين تحوي كل منهما نصف جزيئات الأم. تنقسم الخلية بعدها إلى خليتين جديدتين بالانقسام المتساوي mitosis. وهكذا تملك كل خلية بنت نفس الذخيرة الوراثية تماماً كالخلية الأم.

فالتكاثر اللاجنسي يتم بانقسام خلوي يؤمن  إعطاء الهوية الوراثية الصحيحة لكل الأفراد من جيل لآخر، من ثمّ استمرار صفات النوع، وتؤدي كافة التحولات العرضية للذخيرة (طفرات mutation) إلى تغيرات صفات الأفراد والنوع لأنها تنتقل من جيل لآخر.  

انتقال المورثات في خلايا التكاثر الجنسي

يتكون الأفراد في الجنس البشري من ملايين المليارات من الخلايا. ويشكل أغلبها الخلايا الجسمية المشكلة للأنسجة والأعضاء والأجهزة، وهناك مجموعة صغيرة من الخلايا تشكل الخلايا التناسلية المسؤولة وحدها عن التكاثر. تحتوي نوى الخلايا الجسمية على 46 صبغياً تصنف في 23 زوجاً، منها 22 زوجاً متماثلة مسؤولة عن الصفات الجسمية، وزوج واحد من الصبغيات المتغايرة الجنسية مسؤول عن الصفات الجنسية وتحديد الجنس الوراثي للفرد.

الصبغيان الجنسيان عند الأنثى متماثلان، ويشار إليهما بحرف X، وهكذا تكتب الصيغة الصبغية للخلايا الجسيمة الأنثوية (46 XX)، أما عند الذكر فإن أحد الصبغييين الجنسيين قصير ويدعىY، لذلك تكتب الصيغة الصبغية للخلايا الجسمية الذكرية 46XY.

إن الصبغي X أطول بكثير من الصبغي Y ويملك العديد من المورثات ذات الوظيفة الذاتية الجسمية، أي إنّها مسؤولة عن العديد من الصفات الجسمية. وهناك بعض التوافق في تتالي الـ DNA بين الصبغيان X وY، وهذا التوافق يدعو إلى التفكير بالأصل القديم المشترك لنموذجي الصبغيات. كما أنّ الذكر لدى بعض اللافقاريات، والطيوروالعظائيات Saurian، متجانس الصيغة الصبغية XX، أمّا البيوض فمختلفة الصبغيات الجنسية.

يتم تطور الخلايا التناسلية في المناسل، ويؤدي ذلك إلى تشكل النطاف عند الذكر والبيوض عند الإناث، وعند تطورها بالانقسام المنصف ينخفض عدد الصبغيات المضاعفة إلى النصف لتصبح أحادية n=23. فالبويضات تملك كلهاالصيغة 23 X وتشكل النطاف مجموعتين صيغتهما 23 X و23 X. ولا يتم في الانقسام المنصف تخفيض عدد الصبغيات للنصف فقط، وإنّما توزيع جديد للمورثات بين الصبغيات المتماثلة بحيث أنّ كلّ واحد منها يختلف فيما بعد عن الصبغي الأصلي.

وهكذا يتحدد الجنس الوراثي للفرد ابتداء من الإلقاح، وذلك بحسب الصبغي الجنسي X أو X المحمول من قبل النطفة. فوجودY يعني ذكراً وغيابه يعني أنثى. يتم عند الجنين توضع البداءات المتماثلة في جميع الأجنة مهما كان الجنس المورثي، ولهذا السبب تعرف هذه المرحلة بمرحلة عدم التمايز undiffrentiated phase. يتطابق التحول الشكليللجنين إلى جنين متطور مع بداية التمايز الجنسي بتشكل المناسل والطرق التناسلية الداخلية والأعضاء التناسلية الخارجية التي تتطور بالاتجاه الذكري أوالأنثوي. ويتحدد تمايز الجهاز التناسلي عند الثدييات بالاتجاه الذكري نتيجة تأثير مباشر للهرمونات التي تفرزها الخصية الجنينية، في حين يتم التمايز عفوياً بالاتجاه الأنثوي بغياب المناسل الذكرية أو الأنثوية.

وخلال الطفولة يتم نضج وتمايز جنسيان للجهاز العصبي المركزي. وعند البلوغ تنهي الأجهزة التناسلية تحولاتها، وتصبح وظيفية في نفس الوقت الذي يتم فيه التمايز الجسمي بتأثير الهرمونات الجنسية التي تفرزها المناسل.

تحديد جنس المناسل

إن تحوّل المناسل غيرالمتمايزة إلى خصية يرتبط بالصبغي X. ويعرف المكان المسؤول عن ذلك بالعامل المحدّد الخصيوي (TDF) testis determining factor وهو موجود قرب نهاية الذراع القصير، وتم في هذه المنطقة عزل مورثة تدعى (ZFY) Zinc Finger Y Coded يمكن أن تكون مورثة منظمة للتطور النطفي. كما تم منذ مدة قريبة اكتشاف مورثة تعرف بـ(SRY) Sex Determing Region Y التي تمثل عاملاً أولياً لتحديد الجنس.

وعلى الرغم من عدم وضوح الأمور، إلا أنه  يمكن القول إنّ تحديد الجنس المنسلي الذكري ناتج عن إشارة أولية مرسلة من المورثة SRY المحمولة على الذراع القصير للصبغيY، وهذه الإشارة المتتابعة التي تصل للخلايا المتوسطية للحبال الجنسية تحدد تحولها إلى خلايا سيرتولي Sertoly التي هي ذاتها مسؤولة عن تمايز الخلايا الجنسيةgonocytes إلى خلايا نطفية أم spermatogonia. وبغياب المورثة SRY فإن التمايز المنسلي يتم متأخراً قليلاً في الاتجاه الأنثوي تحت مراقبة المورثات الموجودة في الصبغي X، ويكفي صبغي واحد لبدء التمايز لكن الاثنين ضروريان للمحافظة على المناسل gonade.

 

 

المصدر

الموسوعة العربية